بين القانون والسياسة.. السويد تتجه إلى تشديد قواعد اللجوء بضغوط «يمينية»

وسط مخاوف حقوقية

بين القانون والسياسة.. السويد تتجه إلى تشديد قواعد اللجوء بضغوط «يمينية»
السويد

في خطوة تثير قلقًا واسعًا داخل السويد ومع صعود اليمين المتطرف، اقترحت لجنة تحقيق حكومية إلغاء إمكانية منح تصاريح الإقامة الدائمة لطالبي اللجوء بشكل كامل، في واحدة من أعمق التغييرات المقترحة على قوانين الهجرة في تاريخ البلاد.

ويرى خبراء وحقوقيون دوليون تحدثوا لـ"جسور بوست" أن "السويد، التي كانت لفترة طويلة نموذجًا في دعم الحريات، تواجه اليوم منعطفًا حاسمًا مع صعود اليمين المتشدد"، معتبرين أن البلاد تقف عند مفترق طرق، ليس فقط في ما يتعلق بملف اللجوء، بل بهويتها كدولة قانون وإنسانية. 

وأضافوا أن هذه المقترحات تمثل تراجعًا عن إرث طويل من حماية الحقوق، ودعوا إلى تحركات أوروبية ودولية لوقف ما وصفوه بالإجراءات "الخطيرة والمخالفة للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان"، والتي تهدد حرية التنقل وحق اللجوء.

خلفية سياسية وتشريعية

يأتي هذا التوجه في أعقاب تولي حكومة ائتلافية من اليمين الوسط، مدعومة من حزب "ديمقراطيو السويد" المناهض للهجرة، السلطة في عام 2022، ضمن وعود انتخابية صارمة تتعلق بتقليص الهجرة.

وفي ديسمبر 2024، أعلنت الحكومة أنها أعدت مشروع قانون يهدف إلى الحد من قدرة طالبي اللجوء المرفوضة طلباتهم على تقديم طلبات جديدة دون مغادرة البلاد، في محاولة للحد من "الإقامة غير النظامية"، أما في يناير 2025، فأعلنت السلطات أنها سجلت 6250 لاجئًا فقط خلال عام 2024، وهو أدنى رقم يُسجّل منذ أكثر من 40 عاما.

بحسب ما نقلته صحيفة  Alkompis، فقد أوصت لجنة التحقيق الحكومية بإلغاء منح الإقامات الدائمة لطالبي اللجوء نهائيًا، وتقليص الحق في الحصول على محامٍ عام خلال مرحلة دراسة الطلب، ومنح مصلحة الهجرة صلاحيات أوسع لرفض الطلبات.

وفي تصريح على منصة "إكس"، أعلن وزير الهجرة السويدي يوهان فورشيل: "تلقيت تقريرًا يتضمن مقترحات لإلغاء تصاريح الإقامة الدائمة واستبدالها بإقامات مؤقتة. يشمل التغيير اللاجئين، وذوي الحماية البديلة، ولاجئي الحصص الأممية، وأقاربهم".

وأوضح أن هذه الخطوة تأتي في إطار "مواءمة سياسة الهجرة السويدية مع الحد الأدنى لمستوى الاتحاد الأوروبي"، مؤكدًا أن تصاريح الإقامة المتعلقة باللجوء ستكون مؤقتة فقط.

وأشار التقرير إلى أن المساعدة القانونية ستُتاح فقط في حال الطعن أمام محكمة الهجرة، بهدف تقليص تكاليف الدعم القانوني، التي بلغت في عام 2024 نحو 170 مليون كرونة سويدية.

ورغم هذه التغييرات، أبقى المقترح الباب مفتوحًا أمام الحصول على الجنسية السويدية بعد عدد من السنوات، بشرط اجتياز متطلبات اللغة، والعمل، وحُسن السلوك. وتوصي اللجنة ببدء تطبيق التعديلات في صيف عام 2026، ما يمنح البرلمان والجهات المختصة الوقت الكافي للنقاش والإقرار.

ردود فعل سياسية

رحّب حزب "ديمقراطيو السويد" اليميني المتطرف بالمقترحات، واعتبرها "تحقيقًا لأهدافه السياسية". وقال المتحدث باسم الحزب في قضايا الهجرة، لودفيغ أسبلينغ: "نعتقد أن من يرغب في البقاء بشكل دائم في السويد يجب أن يصبح مواطنا".

وتفيد الإحصاءات بأن نحو 45 ألف شخص يقيمون حاليًا في السويد بإقامات مؤقتة، من بينهم لاجئون وأقاربهم ضمن برامج لمّ الشمل، وتنص القوانين الحالية على إمكانية تحويل الإقامة المؤقتة إلى دائمة بعد استيفاء شروط معينة. لكن المقترح الجديد يسعى لإلغاء هذا المسار بالكامل، حتى بالنسبة للاجئين القادمين ضمن الحصص الأممية، الذين كانوا يحصلون تلقائيًا على إقامة دائمة عند وصولهم.

بدوره قال الحقوقي الدولي المتخصص في قوانين الهجرة واللجوء بأوروبا، عبد المجيد مراري، في تصريح لـ"جسور بوست"، إن السويد كانت لسنوات طويلة واحدة من أكثر الدول الأوروبية انفتاحًا واستقبالًا للاجئين والمهاجرين، وعُرفت بسياساتها الداعمة لحقوق الإنسان.

لكنه أشار إلى أن "هذا النموذج بدأ بالتغير في السنوات الأخيرة، مع صعود اليمين المتطرف وتنامي نفوذه في المشهد السياسي، إلى جانب وقوع أحداث إجرامية ارتكبها بعض المهاجرين، ما عزز المخاوف الشعبية وأدى إلى تشدد الخطاب السياسي تجاه الأجانب".

وأضاف مراري: "السويد أصبحت اليوم منسجمة مع توجهات اليمين المتطرف، كما نرى في فرنسا وهولندا وإيطاليا، وتسعى بشكل متسارع إلى تشديد قوانين الهجرة واللجوء"، وتوقع أن يشهد مشروع القانون الحكومي الجديد تسريعًا في مسار اعتماده وتنفيذه، في ظل الدعم السياسي الواسع له.

وحذّر من أن اعتماد هذه التعديلات بشكل نهائي سيكون متناقضًا مع روح الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ويمثل تهديدًا لحرية التنقل وحق اللجوء، إضافة إلى تقويض حق طالبي اللجوء في التمثيل القانوني، وهو ما وصفه بأنه "تراجع مقلق للغاية في السويد".

انقلاب في فلسفة اللجوء

من جهته، اعتبر المحامي الدولي المتخصص في قضايا الهجرة والجنسية، محمد أبو شنب، أن المقترحات الحكومية السويدية تمثل "مؤشرًا خطيرًا" على التغيرات الجذرية في السياسات الأوروبية تجاه اللاجئين.

وقال أبو شنب لـ"جسور بوست": "القارة الأوروبية تمر بمرحلة غير مسبوقة من التحولات السياسية والاجتماعية، خاصة في ملف الهجرة، الذي أصبح محورًا مركزيًا في الحملات الانتخابية والنقاشات العامة. وما طرحته لجنة التحقيق الحكومية في السويد من مقترحات لإلغاء تصاريح الإقامة الدائمة لطالبي اللجوء، يعكس هذا التغير العميق في التوجهات".

وأضاف: "لطالما كانت السويد نموذجًا إنسانيًا في التعامل مع اللاجئين، خصوصًا منذ التسعينيات وخلال موجة اللجوء الكبرى عام 2015، حيث استقبلت عشرات الآلاف وقدّمت لهم فرص الاستقرار والإدماج".

لكنه يرى أن هذا النموذج "بدأ يتآكل تدريجيًا"، خاصة مع تصاعد تأثير حزب "ديمقراطيو السويد" اليميني المتشدد، الذي بات اليوم شريكًا رئيسيًا في الائتلاف الحاكم، مستفيدًا من صعود الخطاب الشعبوي، والقلق المجتمعي من التغيرات الديموغرافية والجريمة وضعف الاندماج في بعض المناطق.

وأكد أبو شنب أن "ما يحدث اليوم ليس مجرد تعديل قانوني، بل هو انقلاب على الفلسفة التي قامت عليها سياسات اللجوء في السويد لعقود"، مشيرًا إلى أن البلاد تنتقل من سياسة الترحيب الإنساني إلى سياسة "الضبط والتحكم الصارم"، ما يفتح الباب أمام "إعادة تعريف لمفهوم اللجوء داخل الحدود الأوروبية".

الأبعاد القانونية

وأوضح أبو شنب أن اللجنة الحكومية اقترحت إلغاء الإقامات الدائمة لطالبي اللجوء، والإبقاء فقط على تصاريح مؤقتة، مع ربط منح الجنسية السويدية بعدد من السنوات، مشروطة بإجادة اللغة، والعمل، والتمتع بحُسن السلوك.

كما أشار إلى أن أحد أبرز التغييرات يتمثل في تقليص حق طالبي اللجوء في التمثيل القانوني، بحيث لا يُمنح اللاجئ سوى "ساعة استشارية قانونية واحدة" خلال مرحلة تقييم طلبه، ولا يحصل على تمثيل قانوني كامل إلا في حال الطعن أمام محكمة الهجرة.

واعتبر أبو شنب أن هذا التغيير "يمثل ثورة خطيرة في مبدأ العدالة الإجرائية، ويضعف قدرة طالبي اللجوء على تقديم طلبات قانونية مدعومة بشكل متماسك، ما قد ينعكس سلبًا على فرصهم في الحصول على الحماية الدولية".

ويرى المحامي الدولي المتخصص في قضايا الهجرة والجنسية، محمد أبو شنب، أن التغيرات الجارية في السويد لا يمكن فصلها عن الموجة اليمينية التي تجتاح القارة الأوروبية منذ سنوات، مشيرًا إلى أن هذه الموجة "تتغذى على مشاعر الخوف من الآخر، والرغبة في حماية الهوية القومية، ومحاولة الهروب من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية عبر تحميل المهاجرين المسؤولية".

وأكد أبو شنب أن نجاح حزب "ديمقراطيو السويد" في فرض أجندته لم يكن معزولًا، بل يأتي في سياق إقليمي أوسع، على غرار ما يحدث في إيطاليا (مع حزب "إخوة إيطاليا")، والمجر (بقيادة أوربان)، وهولندا (مع حزب فيلدرز)، وألمانيا (مع صعود حزب "البديل من أجل ألمانيا")، قائلاً: "هذه الأحزاب تقدم وصفة موحدة: تقليص الهجرة، تعزيز الهوية الوطنية، وتقييد الحقوق القانونية للمهاجرين".

وأشار إلى أهمية اتفاقية تيدو، التي أُبرمت بين الحكومة السويدية وحزب "ديمقراطيو السويد"، واصفًا إياها بأنها "تسوية سياسية منحت الاستقرار للحكومة مقابل تبني أجندة هجرة متشددة"، مضيفًا: "هذه الاتفاقية أصبحت الإطار التشريعي الذي تُبنى عليه هذه السياسات الجديدة".

وأوضح أبو شنب أن اللجنة السويدية المسؤولة عن مقترحات تعديل قوانين الهجرة صرّحت بوضوح أن هدفها هو "مواءمة القوانين مع الحد الأدنى لما يسمح به قانون الاتحاد الأوروبي"، ما يعني عمليًا فتح المجال أمام الدول الأعضاء لاعتماد تأويلات ضيقة للالتزامات الحقوقية، دون خرق صريح للقوانين الأوروبية، ولكن أيضًا دون التوسع في الحماية.

وقال: "هذا التوجه يعكس نمطًا متزايدًا في أوروبا، حيث تتجه عدة دول بالفعل لتقنين سياسات أكثر صرامة تجاه المهاجرين، سواء عبر تشديد شروط الإقامة، أو خفض فرص الاندماج، أو زيادة وتيرة الترحيل، بتنسيق واضح بين الدول الأعضاء".

الآثار الإنسانية والاجتماعية

وفي حديثه لـ"جسور بوست"، شدد أبو شنب على أن "البعد الإنساني لا يمكن تجاهله" في هذه السياسات، مؤكدًا أن "إلغاء الإقامات الدائمة سيخلق حالة مستمرة من القلق وعدم الاستقرار النفسي والاجتماعي للاجئين، ما يضعف فرصهم في الاندماج الحقيقي".

وأشار إلى أن "اللاجئ الذي يعلم أن وجوده مؤقت ومهدد بالترحيل، سيفقد الحافز للمشاركة المجتمعية، وسينكمش على ذاته، ما يعمق مشاعر العزلة، ويزيد من احتمالات العنف والتطرف والبطالة"، محذرًا من أن "تقليص الحق في التمثيل القانوني يجعل اللاجئ أضعف في الدفاع عن نفسه، ويزيد من احتمالات ارتكاب أخطاء إجرائية قد تؤدي إلى ترحيله ظلمًا، ما قد يشكل أزمة حقوقية مستقبلية".

وأضاف: "السويد كانت تمثل لسنوات نموذجًا يحتذى في سياسات اللجوء، والتغير في موقفها اليوم قد يعطي الضوء الأخضر لدول أخرى في الاتحاد الأوروبي لتطبيق سياسات مشابهة دون أن تُتهم بانتهاك القيم الإنسانية أو المواثيق الدولية".

وتوقع أبو شنب أن تشهد المرحلة المقبلة موجة جديدة من التشريعات المشابهة في عدد من الدول الأوروبية، لا سيما مع اقتراب الانتخابات الأوروبية المقبلة، حيث سيكون ملف الهجرة في صلب الحملات الانتخابية، وستُرفع شعارات "استعادة السيطرة" و"ضبط الحدود" لكسب التأييد الشعبي.

وعن الدور المنشود في مواجهة هذه السياسات، دعا أبو شنب إلى تحرك عاجل ومتوازن من قبل المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية ومراكز الدراسات القانونية، قائلاً: "من الضروري فضح الآثار السلبية لهذه التوجهات، والدفاع عن الحد الأدنى من الحقوق الأساسية لطالبي اللجوء".

وأضاف: "كما يجب أن يمارس المجتمع الدولي ومنظمات الأمم المتحدة ضغطًا حقيقيًا لضمان ألا تتحول اتفاقيات اللجوء إلى مجرد نصوص على الورق، وأن تبقى القيم الإنسانية فاعلة في النقاشات القانونية والسياسية".

واختتم حديثه قائلاً: "السويد تقف اليوم على مفترق طرق، ليس فقط في ما يتعلق باللجوء، بل في هويتها كدولة قانون وإنسانية. الاتجاه الحالي يعكس صعودًا سياسيًا واضحًا لليمين المتشدد، في مقابل استجابة باهتة من الأحزاب التقليدية، وتراجعًا عن إرث طويل من حماية الحقوق".

وأكد أن "المعركة المقبلة ستكون بين من يسعى لتحويل اللجوء إلى امتياز مشروط، ومن يتمسك باعتباره حقًا إنسانيًا غير قابل للمساس"، مضيفًا: "يبقى الأمل في أن تستعيد أوروبا توازنها، وتدرك أن حماية الإنسان ليست عبئًا، بل استثماراً في مستقبل أكثر عدلًا وإنسانية".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية